المسلم الحقيقي هو من طبّق كلام الله الكريم، وأخذ بهدي المصطفى) ص)، وأهل بيته الطاهرين (ع)، وسَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والذي هو أخ المسلم الآخر الذي لا يظلمه ولا يشتمه ولا يخونه ولا يخذله، والمسلمون إخوة ، لا فضل لأحدٍ على أحدٍ إلاّ بالتقوى، وأفضل المسلمين إسلاماً من كان همّه لآخرته، واعتدل خوفه من الله مع رجائه به.
المسلم هو :
الإنسان الذي يؤمن بوجود الله تعالى، وأنه خالق كلِّ شيء، وبيده كلِّ شيء إلهاً واحداً لا شريك له، قد أرسل الرسل والأنبياء لهداية عباده، وكان آخرهم هو محمد بن عبد الله (ص) خاتم الرسل وآخر الأنبياء، الذي أرسله الله تعالى رحمةً للعالمين بالشريعة السمحاء والدين الإسلامي.
فالمسلم من يشهد بأنَّ الله واحد لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، ويؤمن بجميع الأنبياء السابقين، ويعتقد أنهم قد اصطفاهم الله من بين عباده وأرسلهم ليكونوا دليلاً عليه، ويعتقد بأصول الدين، وهي التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد، ويؤمن بفروع الدين، وهي الصلاة والصوم والزكاة والخمس والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويتولّى أولياء الله ويتبرأ من أعدائهم.
وعلى المسلم أن يتجنَّب ما حرَّم الله من الكذب والغيبة والتعدّي على حقوق الآخرين وغير ذلك من الذنوب الكبيرة والصغيرة. وعليه أن يعمل بما أوجب عليه سبحانه من العبادات وأعمال الخير.
وعلى المسلم كذلك أن يتحلّى بالأخلاق الحميدة الفاضلة التي أوصى بها الإسلام من قبيل:حب الخير للناس، ومساعدة الفقراء، وتقديم العون للضعيف، وإغاثة الملهوف، واحترام الكبير وتوقيره والعطف على الصغير والحنان عليه، ورفض الظلم وعدم الرضا به، وأن يتّصف بالحياء وبعزة النفس وكرامتها.
وبذلك سينال رضا الله تعالى، ويبلغ عنده مكانة عظيمة، وتكون نفسه مطمئنة في الدنيا راضية في الآخرة.
عرفنا ما هو الإسلام بشكلٍ مختصر وجاء الدور الآن لنتعرف على هوية المسلم ماهي؟
هوية المسلم هي :
شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنَّ محمّداً رسول الله، فكلمة التوحيد هي رمز وحدة المسلمين ، لكنها أصبحت اليوم ـ للأسف الشديد ـ تستخدم من قبل جهات معلومة للتفريق بين المسلمين واتهامهم بالشرك والوثنية ، وقد خاطب أحد العلماء هؤلاء المتطرفين بقوله : إنكم قد وصلت بكم الحالة إلى درجة أنَّ أعداء الإسلام إذا تسلطوا على جمــــاعة منكم فرحت جماعة أخرى بهذا التسلط ، وإذا ضربوا الجماعة الأخرى فرحت الجماعة الأولى بهذا العمل ، أوليس هذا هو ما يبتغيه ويهدف إليه أعداء الإسلام ؟ 1.
فالواجب على الأمّة الإسلامية بشعوبها إِدامة خطّ النبي (ص) وتعقيب أهدافه القيّمة، وأن يصرفوا جميع طاقاتهم وإِمكاناتهم البدنية والمالية والسياسية والثقافية في بسط التوحيد والعدالة، ورفع الظلم والفساد، والعمل على تحقيق شرائط ذلك وظروفه، وتقوية المجاهدين في سبيل اللّه، والمدافعين عن حقوق المستضعفين في جميع البلاد الإسلاميــــــــة ، قاصيها ودانيها ، وإِن اختلفوا في العنصرواللون واللغة؛ فإنَّ المسلمين جميعاً أمّة واحدة لا تفرّقهم ولا تحكم عليهم الفروقات المادية من العنصرية واللون واللغة والوطن ، وأنّ المســـلمين بأجمعهم أمّة واحدة ولا فضل لأحد منهم على أحد إِلاّ بالتقوى، والعناصر التي تحقق مفهوم الأمّة الواحدة خارجاً هي الأرض والجنسية واللغة واللون والمصلحة المشتركة والفكـــــــــر والعقيدة ، ولا شك أنّ لكلّ من هذه تأثيراً في تحقيق الوحدة بين الأفراد وفي نشوء الإنسان وتربيته ، فإنَّ الإنسان ليس منعزلاً في حياته عن الشؤون المادية وخواصّها وآثارها .
ولكنّه من الواضح لكلّ أحد أنّ إِنسانيّة الإنسان وكرامته ليس ببدنه ومزاجـــــــه وقواه
المادية ، بل بعقله وفكره وآرائه ، والذي يحكم على قلبه وروحه هو فكره وإِيمانه الذي يعتبره أعزّ الأشياء لديه بحيث يضحّي نفسه في طريقه . فلو فرضنا مواطنين ولدا على أرض واحدة واشتركا في جميع العناصر المادية ولكنهما اختلفا في العقيدة والفكر ، نراهما كل يوم يتناحران ويتشاجران ولا يوجد بينهما العلاقة والمحبة .
وبالعكس ; لو فرضنا إِنسانين اختلفا في الوطن والعناصر الماديـــــة ولكنهما اتفقا في
العلاقات الروحية والأفكار والآراء ، نراهما متحابين متجاذبين كأنّهما روح واحد في
جسدين . ولا يمتاز الإنسان عن سائر أنواع الحيوان إِلاّ بروحه وفكره وعقائده .
فالوحدة في الفكر والإيمان هي القادرة على جمع أفراد الإنسان وإِيجاد العلاقـــــــة
بينهم ، لا وحدة الوطن والعنصر .
ولأجل ذلك ترى الإسلام يحكم بوحدة الأمّة الإسلامية وأخوة المؤمنين بما هم
مؤمنون ، ولا يرى للامتيازات المادية من الجنس واللغة واللون شأناً بحيث توجب
فضيلة للإنسان في قبال الفضائل الروحية وفضيلة الإيمان والتقوى، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }2 ، وقال عزَّ وجلَّ :{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}3 ، وقال تعالى :{ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}4 .
فالمسلمون كلّهم أمّة واحدة، وربّهم واحد، ودينهم واحد، ونبيّهم واحد، وكتابهم واحد، ولا ميز لأحد منهم إِلاّ بالتقوى والتسليم لأوامر اللّه ، الموجبة لكمال روحه ورقيّة والتي بها تحصل كرامة الإنسان وشرفه .
وعن الرسول الأكرم (ص) أنه قال : { أيها الناس ، إنَّ ربَّكم واحدٌ وإنَّ أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى . ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : فليبلغ الشاهد الغائب }5 .
فالمسلم الحقيقي مَن يعيش لأجل الإسلام بكل تفاصيله، وهمّه الأوّل والأخير هو الإسلام وأخوته المسلمون بكل أشكالهم وألوانهم، فقد روي عن رسول هذا الدين النبيّ العظيم (ص) أنّه قال : { مَنْ أَصْبَحَ لا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ، ومَنْ سَمِعَ رَجُلاً يُنَادِي يَا لَلْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْه فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ}6 ، وأن يعمل جاهداً ليعطي الصورة الناصــعة لهذا الدين الخاتم، وأن يكون داعياً للإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، كما قال تعالى : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}7 وأن يكون سفيراً لهذا الدين العظيم.
فإذا كان المسلم بهذا الوصف وتلك الصفات، فقد أرضى اللهَ تبارك وتعالى ورسولــَــــه الخاتم (ص)، وإمام زمانه (ع)، وهي أُمنية كلّ إنسان مؤمن يؤمن بيوم الحساب.
- انظر: تفسير الأمثل 4 : 44.
- سورة الحجرات : 13.
- سورة الحجرات : 10.
- سورة الأنبياء : 92.
- تحف العقول : 34.
- الكافي 2: 164، ح5.
- سورة النحل : 125.