القرآن هو كتاب الله الذي أنزله على قلب رسوله المصطفى(ص)؛ ليبلغه للناس أجمعين، وهو الدواء النافع من الأمراض والأسقام، وهو أظهر معاجز النبيّ الأكرم (ص)، وهذا الكتاب الكريم هو خاتمة الكتب السماوية، فيه علم الأولين والآخرين، فيه علم ما كان وما يكون، وعلم الأخلاق، وعلم الأحكام من الحلال والحرام، وعلم أهوال القيامة والحشر والنشر، وعلم الفصاحة والبلاغة، بحيث تتروى بزلال معانيه قلوب الفقهاء، وتتحير في عجائب مثانيه عقول العلماء، وتعجز عن درك غرائب مبانيه أفهام الخطباء، وتقر بمشاهدة شواهد مغانيه عيون الفضلاء، وتنشرح بتلاوة زواهر آياته صدور القرّاء والصلحاء، فمن أعرض عنه كان من الجاهلين..
The pages of a Qur’an left open for devotional reading and recitation. Next to the Qur’an are traditional Muslim prayer beads.
القرآن الكريم هو :كتاب الله تعالى المعجز الذي أنزل على نبيه ورسوله محمد (ص) بواسطة الوحي جبرئيل بلسان عربي مبين، والمكتوب بين دفتي المصاحف، والمبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس، أنزله الحق عز وجل؛ ليخرج به الناس من الظلمات التي كانوا يعيشون فيها إلى النور والهداية، ويصلح أمور حياتهم، ويوفر ويحقق لهم السعادة والصلاح، ويدلهم على ما يكون في الخير لهم، ومتى ما عملوا بقوانينه وأحكامه ، وطبّقوها على أفعالهم، وساروا كما يبين لهم، ستتحق لهم السعادة والصلاح، ويصبحون من خيرة الناس وأكرمهم، ويكونون عند الله من المقبولين والمرضيين، وهذا الكتاب العظيم ( القرآن الكريم) جعل الله عز وجل فيه ميزات وخصائص، من أهمها:
أولاً: اشتماله على أحكام وتشريعات وقوانين تنظم حياة الإنسان في جميع جوانبها، ففيه بيان كيفية عبادة رب العالمين،وتوحيده والإيمان به، والتخلق بمكارم الأخلاق، حتى يغطي الخير والسعادة البشرية جمعاء، في كل مكان وزمان.
ثانياً: نزوله مفرقاً في فترة من الزمن قدرها ثلاث وعشرين سنة؛ ليتدرج في تقديم الأحكام والعمل بها مع الناس، وبهذه الطريقة يسهل حفظه وفهمه والعمل به.
ثالثاً: حفظه من التحريف والتغيير والضياع؛ لأن الله تعالى يقول:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } 1، فنقل لنا المسلمون القرآن متواتراً عبر الأجيال جيلاً بعد جيل، وقد حرص المسلمون على حفظه ونقله بأمانة على مر العصور.
رابعاً: خلوه من الأخطاء؛ فلا يوجد فيه اختلاف، أو تعارض في أحكامه وتشريعاته.
خامساً: إعجازه؛ فآياته نزلت بأسلوب يعجز الناس عن تقليده، والإتيان بمثله وقد تحدى الله ـ عز وجل ـ العرب وغيرهم أن يتمكنوا من الإتيان بمثله، ولو سورة منه، فعجزوا عن ذلك مع أنهم معروفون بالبلاغة والفصاحة والبيان.
ومن إعجاز القرآن كذلك : أنه اشتمل على بعض المعلومات العلمية التي لم يكن يعرفها أحدٌ وتوصل العلماء بعد عصور إلى بعضها، والأنباء والإخباريات الغيبية التي لم تكن قد وقعت عند نزول القرآن الكريم، ثم وقعت بعد ذلك كما أخبر بها. وهذا يدل على أنَّ القرآن الكريم من عند الله العليم بكل شيء.
القرآن كتابٌ عالميٌ دائمٌ، القرآن وحيٌّ سماويٌّ، وليس من إبداع الفكر الانساني، القرآن الكريم معجزة النبيّ العظيم، وخاتمة الكتب السماوية، أوحاه الله تبارك وتعالى إلى رسوله الصادق الأمين محمّد بن عبد الله (ص)، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، في لوح محفوظ، قهر بلغاء العرب وفصحائهم، حتى لم يستطيعوا أن يأتوا بسورة من سوره ولو اجتمعوا على ذلك، وصفه الإمام أمير المؤمنين (ع) بوصفٍ كلَّ الواصفون عن مضارعته، وعجز سائر الناس عن إدراك كنهه، حيث يقول : {...فِيه تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، وذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُه بَعْضاً ، وأَنَّه لَا اخْتِلَافَ فِيه ، فَقَالَ سُبْحَانَه :{ ولَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فِيه اخْتِلافاً كَثِيراً }، وإِنَّ الْقُرْآنَ ظَاهِرُه أَنِيقٌ وبَاطِنُه عَمِيقٌ ، لا تَفْنَى عَجَائِبُه، ولا تَنْقَضِي غَرَائِبُه ، ولا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلاّ بِه }1 ، فالدين الإسلامي الذي يشتمل على أتم المناهج للحياة الانسانية ويحتوي على ما يسوق البشر إلى السعادة والرفاه ، هذا الدين عرفت أسسه وتشريعاته من طريق القرآن الكريم ، وهو ينبوعه الأول ومعينه الذي يترشح منه .
والقوانين الإسلامية التي تتضمن سلسلة من المعارف الاعتقادية والأصول الأخلاقيــــــــة والعملية، نجد منابعها الأصيلة في آيات القرآن العظيم.
قال تعالى : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ }2 ، وقال تعالى : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ }3 ، وواضح كل الوضوح أنَّ في القرآن كثيراً من الآيات التي نجد فيها أصول العقائد الدينية والفضائل الأخلاقية وكليات القوانين العملية ، ولا نرانا بحـــاجة إلى سرد كل هاتيك الآيات في هذا المجال الضيق 4 .
القرآن الكريم يحتوي على الغاية الأسمى التي يهدف إليها الانسانية ويبينها بأتم الوجوه ؛ لأنَّ الوصول إلى الغاية الأسمى لا يمكن إلاّ بالنظرات الواقعية للكون والعمل بالأصول الأخلاقية والقوانين العملية ، وهذا ما يتولّى شرحه القرآن بصورة كاملة حيث يقول :{ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ } 5، ويقول في موضع آخر بعد ذكر التوراة والإنجيل : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا}6 ، وبياناً لاشتماله على حقيقة شرائع الأنبياء يقول : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى}7 ، وفي احتوائه على سائر الأشياء يقول : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ } .8
ومختصر ما في الآيات السابقة : أنَّ القرآن يحتوي على الحقائق المبينة في الكتب السماوية وزيادة ، وفيه كل ما يحتاج إليه البشر في سيره التكاملي نحو السعادة من أسس العقـــــــائد والأصول العملية 9 .
هناك كلمة للإمام الصادق (ع) حول القرآن الكريم بها نعرف القــــــرآن ونعرف الإمام الصادق عليه السلام . . فلنتوجه جميعاً بأدب وحضور قلب ، إلى روح الإمام الصادق (ع) المقدسة ؛ لعله يتفضل ويفيض علينا من بركة الله فيه ، فنفهم شيئاً من هذه الفقرة التي تجلى فيها × .
والكلمة هي :{ لقد تجلى الله لخلقه بكلامه ، ولكنهم لا يبصرون } 10
إنه أمرٌ محيرٌ واقعاً ، أن يتجلى الله بكلامه لخلقه ولكنهم لا يبصرون ! وهذه الجملة في عالم العلم معجزة ، فالمعجزة للعوام تختلف عن المعجزة للخواص ، والإنسان الذي وصل إلى درجة البلوغ العقلي يعرف منها أن الإمام الصادق (ع) متحدٌ بكله مع القــــــرآن ، وبهذا الاتحاد متحدٌ مع تجلي الله تعالى في القرآن ، فهو حكيم قرآني.
ومن هذه الجملة نفهم أن الإمام الصادق (ع) قصد بالتجلي كلام الألوهــــــية التكويني ، لا الرحمانية ، ولا الرحيمية ، ولا العليمية ، ولا السميعية . . ! فقد اختار من الأسماء الحسنى اسم الله تعالى وقال : لقد تجلّى الله ، ولم يقل تجلى العليُّ العظيم مثلاً ، ليفهمنا ما هو القـــــرآن ، الذي لم نفهم ما هو !
لقد تجلّى الله . . هذا هو القسم الأول ، وفي اسم الله تعالى ميزةٌ على التسع وتسعين إسماً ، ميزةٌ في المسمى ، وفي الاسم . .
أمّا في المسمّى فإنَّ المسمّى به الله مقام يجمع كل الأسماء الحسنى والصفات العليا ، من الجمال ، والكمال ، والجلال .
وأمّا في الاسم ، فإن خصوصية اسم الله تعالى من بين أسمائه كلها ، أن حقيقة غيب الغيوب مندرجةٌ فيه ، وحقيقة المالكية الربوبية ، وحقيقة بساطة الذات ، الحاكية عن الوحدة الحقة الحقيقية . . كلها مندرجة فيه !
نحن عندما نقرأ كلام الإمام الصادق (ع) ، لا نستطيع أن نستفيد منه كمـــــا ينبغي ؛ لأنا لم نصل إلى عظمة ذلك الإمام الذي صدر عنه ! نعم ، نحن نقبل كلامه بدليل التعبد والتقديس لشخصيته ، لكنا مع الأسف لانبذل جهدنا في فهمها .
وعندما ننظر إلى عالَم الحروف المبني بحكمة ، نجد أنَّ اسم الله تعالى يتكوّن من الألف في أوله ، وهو أول حروف الهجاء ، أمّا آخره فهو الهاء . والألف له الأولية والاستقامــــة والبساطة ، وهو يحكي عن الوحدة الحقة الحقيقية ، وقائل هذه الكلمة ومبينها وشارحها هو الإمام (ع) ، والذي أول حرف من اسمه الألف أيضاً ! وإذا رفعنا الألف ، صارت الكلمة ( لله ) : { للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} 11 .
وإذا رفعنا اللام ، صارت ( له ) : { لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ} 12 .
وإذا رفعنا اللام الثانية ، بقيت الهاء ( هو ) : { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} 13 .
هذه رشحة من خصوصيات الاسم والمسمى ، فالقرآن إذن جلوةٌ لهذه الذات المقدســــة ، بكل أسمائها الجمالية والكمالية ، وكل أسمائها الجلالية للخلق . . فهل فهمنا القرآن هكذا ، وهل عرفنا ماذا في أيدينا ؟ !
وهل عرفنا معنى قول النبي (ص) عندما قال :{ كأني قد دعيت فأجبت ، وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يزالا جميعاً حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما}14 ، وأنه بذلك سلم بأيدينا عصارة وجوده ! فالقرآن حرف الربط بين الخالق والخلق ، وهو تجلي الألوهية بتمامها ! فما الذي يجب علينا عمله لنستفيد منه ؟
الخطوة الأولى: أن نعرف ما هو ؟ وأنتم أيها الفضلاء لستم عواماً ، فالقرآن للعوام عبارات ، لكنه للخواص إشارات . أرجو أن تنتبهوا إلى هذا الموضوع لأنفسكم وغيركم ، فكل واحد منا مسؤول حسب سهمه في القرآن .
لاحظوا أنه تعالى يستعمل صيغة ( تبارك ) في موارد خاصة كقوله تعالى :{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ، تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }15 . دققوا في التعبير ، فعند ما يجمع الله الخلق والأمر فقد جمع الملك والملكوت أي لب الكون وقشره ، وهنا يقول ( تَبَارَكَ ) .
وعندما ينهي الملك والوجود اليه تعالى يقول أيضاً ( تَبَارَكَ ) ،{ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ} 16 .
ثم لاحظوا أنه عندما يصل العالم إلى ثمرته ، وتجتمع عصارة العالم في آدم وذريته . . من نطفةٍ إلى علقةٍ إلى مضغةٍ ، ثم يكسو العظام لحماً ، ثم ينشؤه خلقاً آخر . . يعبر عنه بقوله ( تَبَارَكَ ) : { ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ، ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ، فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } 17،و { اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ، وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ، ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } 18.
ثم لاحظوا أنه سبحانه استعمل كلمة ( تَبَارَك ) في كلامه عن تنزيل الكتاب على عبده : {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً }19 ؛ وذلك ليفهمنا أنَّ الله الذي له الملك والملكوت ، والذي جعل عصارة العالم وخلاصته الإنسان هو : الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ !
وليحرك أذهاننا لنفهم ماذا في القرآن ، وماذا يجب أن نعمل لكي نفوز به ،
ولا نضيع عمرنا ولا نصل اليه فنقول : يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا 20.
هذه رشحة سريعة ونفحة مختصرة من نفحات القرآن الكريم.
- نهج البلاغة 1: 55.
- سورة الإسراء: 9.
- سورة النحل : 89.
- انظر : القرآن في الإسلام : 5.
- سورة الأحقاف : 30.
- سورة المائدة : 48.
- سورة الشورى : 13.
- سورة النحل : 89.
- انظر : القرآن في الإسلام : 22.
- بحار الأنوار89 : 107.
- سورة لقمان : 26.
- سورة الحديد : 2.
- سورة الإخلاص : .1
- كمال الدين: 238.
- سورة الأعراف : 54.
- سورة الملك : 1.
- سورة المؤمنون : 14.
- سورة غافر : 64.
- سورة الفرقان : 1.
- انظر : الحق المبين في معرفة المعصومين : 83 ـ 85.